تمّت الترجمة.
تمّت الترجمة: الأسرة المصرية برعاية SNL بالعربى.
أسرة مصرية، تقليدية، الأم، ربة منزل، تعانى من سمنة مفرطة، يبدو أنها لا
تخرج كثيرًا، وتقضى معظم وقتها فى البيت وتقتله بالجلوس أمام التليفزيون. يبدأ
المشهد، فى منزل من الطبقة المتوسطة، الأم (هند صبرى) تشاهد مسلسلاً. على حين يدخل
الإبن (حازم إيهاب) العائد من السفر بعد اغتراب دام عشر سنوات. وفى رد فعل من الأم
التى لم تقم لتستقبل ابنها لأنها مندمجة جدا مع المسلسل.
تكتفى بقول: " حمدا لله على السلامة" باللهجة العامية. ويبدو أن
الشاب وقف أمام التليفزيون ليقطع على الأم مشاهدتها وينبهها إلى عودته. لكنها تضيف
"اوعى.. اوعى من أمام (التلفاز)" وحين يتعجب الشاب من رد فعل والدته
وطريقتها فى الكلام، وهى لا تنفك تتكلم بطريقة تدمج بين العامية المصرية والفصحى.
وأيضا تعبر عن شعورها بالضجر ناحية الدخيل الذى يريد أن يقطع عليها متعتها. إذ
ماذا تريد، عدت من السفر، أهلا وسهلا، حمدا لله على سلامتك، ابتعد إذن عن
التليفزيون ودعنى أكمل المشاهدة. "حمدا لله على سلامتك.. أكرر" ومن
الأفضل أن تجلس إلى جوارى وسأحكى لك أحداث المسلسل.
تبدأ من توها فى السرد حين يجلس بجوارها قائلة: "البطل شرطى متقاعد،
يدخل على زوجته، فيكتشف أنها تخونه مع عشيقها. ثم تضيف الأم "بيطارحها
الغرام" مما يدفع الشاب للإنزعاج. بيطارحها.. ! فترد الأم: "آه، يعنى مش
لازم أوضّح" ثم تكمل حيث يصرخ الشرطى فى العشيق: "Fucken
Mother"
فيتهيج الشاب إذ ما تلك الألفاظ التى تقذفها الأم؟ ترد الأم متعجبة من دهشة ابنها: "الفاظ
ايه، ثم تكرر الكلمة "Fucken Mother" وتتعجب من تعجب ابنها إذ
أن الكلمة فى قاموس الأم تعنى "تبًا لك" وهى بالطبع الترجمة التى تظهر
على الشاشة. ثم تزيد الأم ويرتفع نسق الحوار حين تقول: "وتركهم، وراح ليحتسي
الجعة مع صديقته السحاقية".
فى الوقت الذى يدخل فيه الأخ الأصغر (توني ماهر) ليسأل عن لعبته وعن والده وحين
يرحب به الأخ الأكبر قائلا: "كبرت يا حماده.." ويكمل حين يكتشف غرابة
لهجة أخيه: "وبقيت بتتكلم زي ال... الكرتون المدبلج" حيث يكتشف أن الولد يتكلم بطريقة تشبه أفلام
الأطفال والرسوم المتحركة المدبلجة. ويدور الحوار بين الأم والطفل متجاهلين الشاب فالولد
كأي طفل يبحث عن "لعبته" فتخبرة الأم أنها "تحت المنضدة" ثم يكرر
نفس السؤال عن والده الذى هو "تحت المنضدة" أيضا حسب ما تقول الأم. ولا
يقف الحوار عند هذا الحد حيث يخبر الطفل أمه بأنه بالفعل قام بالبحث عن والده
"تحت المنضدة" ولم يجده. فترد بضيق ونفور قائلة: "يا دين والدتي،
هيكفرني!" يصفق الحضور الذى يشهد ما تتعرض له الأم من معاناة مع ابناءها ثم
تكمل الأم المصرية الخبيرة التى تعرف مكان كل شئ فى البيت: "وإذا قمت ووجدته،
(وهى تعنى بذلك الأب!) ماذا أفعل بك، يا من لا يفلح فى شئ أبدًا، فلتصبها الوكسة
من تريد الخلف"
وينفعل الشاب الذى يلحظ تغير أمه بهذا الشكل. وطريقتها فى الكلام التى لا
تعرف كيف تبدلت على هذا النحو, الأمر الذى يجعلها أخيرا تكتشف أن هناك مشكلة.. وفى
هذه الحالة لابد من اللجوء إلى الطبيب. وبين ترددها فى الإتصال بالطبيب ومتابعة
المسلسل أخذت تقول: "ناولنى الهاتف" فتتصل بالدكتور "جاك" وتعرض
عليه المشكله: "كنت أشاهد المسلسلات الأجنبية فوجدت نفسي هكذا" ويمكن أن
نتخيل سؤال الطبيب لأنها أجابت: "زوجى؟ لا.. زوجى يشاهد المسلسلات التركية
المدبلجة" فتعطى العنوان للطبيب كي يأتى لمعاينة الحالة. ويسألها عن اسمها
فتقول: "مدام تمّت" الإسم الثنائي؟ "تمّت الترجمة"
وينادى الشاب على أبيه (محمود الليثي) ليأتى ويشهد تلك المهزلة فيدخل
الوالد وهو يتحدث باللهجة الشامية أو السورية التى يتم تركيبها على أصوات ممثلي المسلسلات
التركية. وتتسارع وتيرة الأحداث حين يدخل العضو الأخير فى العائلة (خالد منصور) ليرحب
بعودة أخيه وهذه المره على طريقة تشبه اعلانات "الشركة السعودية" ثم
ينفتح المسرح على مصرعية لكل الإحتمالات فيدخل الطبيب (شادي ألفونس) قائلا:
"احنا عملنا اللى قدرنا عليه والباقى فى ايد ربنا.. أنقذنا الجنين، بس
اضطرينا نضحى بالأم" وأن الموضوع خرج من يده لا ليصبح فى يده الأخرى! ولكن
لمزيد من تصاعد وتيرة الأحداث، يبدو أنه قد أخطر البوليس فيدخل الشرطى (إسلام
إبراهيم) صائحا: "كله يسلم نفسه.. المكان كله محاصر" على هذه الشاكلة
يكمل فكل الشواهد والأدلة ضدك، وتم القبض عليك متلبسا، ومصيرك هو الإعدام إلخ.. من
الديباجات التى صدرتها الأفلام عن الصورة النمطية للطبيب وللضابط. فيبدأ أفراد
العائلة بالتخلى تدريجيا عن الأم المتهمة -بلاشئ- فى حين شرعت الأم فى سرد ما يشبه
الوصية أو المرثية وبصوت منخفض قليلا ولكن هذه المرة بلغة أجنبية وهى لغة المسلسل
الذى تتابعه (الإنجليزية) فى حين يبدأ الشاب الذى يجلس متجهما بجوارها بترجمة ما
تقوله الأم. وعند هذه اللحظة تحديدا تكتشف الأم أخيرا وجود ابنها فتحتضنه ويصفق
الجميع.
ويمكن أن نلاحظ من خلال تلك الشخصيات النمطية للمجتمع المصرى: الأسرة
المكونة من أم وأب وثلاثة أبناء. كل منهم يتحدث بطريقة وبلهجة خاصة ومختلفة فالأم
مستغرقة فى عالم المسلسلات الأجنبية والطفل فى عالم الكرتون المدبلج والإبن الآخر
يبدو أنه من محبي أو كارهي متابعة الإعلانات حيث يتم عرضها بصورة تجعل من مشاهدتها
أمرا شبه حتمي وهو على كل يتكلم بنفس الطريقة. ورب الأسرة غارقا لشوشته كما نقول
فى المسلسلات التركية للحد الذى دفعه إلى تغيير لهجته وأصبح متماهيا مع ما يشاهده
من مسلسلات.
وبرغم أن البرنامج يقدم تلك المشاهد بطريقة
يطغى عليها طابع السخرية والإفتعال (الأفورة)، فالشخصيات تقوم بمحاكاة الواقع عن
طريق المبالغة فى الآداء واستخدام المفارقة الساخرة لإضفاء نكهة لذيذة للحوار.
فالأم التى لا تدرى المصطلحات التى تنطق بها تأثرا بالمسلسل يفهمها الإبن كما
فهمناها نحن المشاهدين. والأسرة المتمركزة حول ثقافة المرأي (الفيديو) ويتشكل
وعيها ولغتها من خلال ما تراه وما تسمعه وتقوم بتكراره آليا. ولا يقتصر الأمر على
الأسرة فيتمتد تأثير التليفزيون أو "التلفاز" على الطبيب فبدلا من
استخدام المنهج العلمى لدراسة الحالة (الكشف عليها) ومعرفة أسباب المرض وكيفية
علاجها بدلا من ذلك "التركيب" حيث يتم تبسيط الحالة المرضية وتسطيحها
لينطلق الطبيب من خلال مقولات معدة مسبقا وجاهزة ويريح ضميره المهنى أو يضعه فى
الثلاجه وقد يكتفى فى بعض الحالات بوصف نفس الدواء لعدد من الحالات لتصبح القيمة
النهائية هى الكم وليس الكيف ويكتفى بتكرار نفس الوصفة العلاجية المريحة لمرضى
آخرين وهكذا.. وكذلك الشرطى الذى نسي دوره وتماهى مع صورته التى يشاهدها فى
الأفلام فحيثما وجد لا بد من وجود جريمة ومتهم وقوة تحاصر المكان وحكم بالإعدام.
أى أن المجتمع الإنسانى تغير دوره بحسب الصورة النمطية التى صُدّرت له من خلال المسلسلات والأفلام
ويدور المشهد حول تلك الفكرة سواء أدركها كاتبها أو لم يدركها. فالأمر واضح
للجميع. الشاب العائد من غربته يمثل كيانا غريبا دخيلا على تلك البيئة التى هى فى "الأصل"
بيئته لأنه ولد وتربى فيها ولكنه تركها وحين عاد إليها وجدها تغيرت بالجملة.
فعلاقة الأم بابنها.. وما بها من حميمة وعلاقة أفراد الأسرة المترابطة وعلاقتهم
بالمجتمع الذى هو مجموع الأسر والفئات الأخرى كل تلك الروابط والفوارق ذابت من
خلال التنميط وأمام شاشة "التلفاز" ومع ذلك وفى رغبة من الإبن الذى ظل
يذكر الأم بأمومتها فهو ابنها وحبيبها الغائب منذ عشر سنوات.
لكن الأم مستوعبة ومندمجة داخل عالمها "المسلسلاتى" الذى يقدم
ثقافة مختلفة عن ثقافتها وتقوم الأم باستبطانها وترديدها دون وعى وكذلك الأبناء
والوالد. وإذا تغيرت الأسرة بهذا الشكل وهى الجزء الذى يشكل نسيج المجتمع فإن
النهاية الأكيدة ستكون بتآكل روابطها أو بتفككها وفى الأخير بموتها. وهو ما ينتهى
به المشهد فعلا فبعد أن حكم الظابط النمطى على الأم النمطية بالإعدام النمطى وبعد
أن تتنصل منها كل أفراد الأسرة فالصغير أبله لا يعى شئ والإبن الآخر يعلق قائلا:
لابد للعدالة أن تأخذ مجراها. والزوج يعترض ولكن بدلا من أن يطلب البراءة لزوجته
يطلب "بطاطا مقلية" حيث يبدو أنه فرح بالتخلص أخيرا ونهائيا من زوجته ويستعد
لمزيد من الاستمتاع بمشاهدة مسلسلاته التركية وهو يتناول بطاطسه المقلية فى سلام. وبعد
أن أدركت الأم المأساة الواقعة وأن اسرتها تخلت عنها شرعت فى سرد ما يشبه المرثية
ولكن هذه المرة دون استخدام اللهجة العامية أو الفصحى المشوهة واستخدمت لغة
المسلسل (الإنجليزية). فى حين يبدأ الشاب الذى يجلس متجهما بجوار والدته يقوم -لا
إراديا- بترجمة ما تقوله. وعند هذه اللحظة.. عند هذه اللحظة تحديدا تكتشف الأم
أخيرا وجود ابنها، لأنه أصبح يتحدث بنفس اللغة وأصبح مستوعبا داخل المنظومة.
وعندها تصيح الأم "حبيبي.. ابني حبيبي.. رجع من السفر" ثم تحتضنه ويصفق
الجميع الممثلين والمشاهدين فى متعة لا متناهية. والسؤال الذى نود أن نطرحه هنا:
هل يمكن النظر إلى برنامج"SNL" بالعربية واخضاعه لنفس النموذج التفسيري؟ فى
الوقت الذي يصل فيه البرنامج إلى فئات عمرية مختلفة وذو شعبية كبيرة فالبرنامج كما
يقول مقدموه أنه برنامج عائلي، هل يمكن إذن أن يؤثر بطريقة أو بأخرى على
المشاهدين؟
"ابنى حبيبي يا نور عينى بيضربوا بيك المثل!"
فى انتظار مشاركاتكم وتفاعلاتكم.

تعليقات
إرسال تعليق