المشاركات

عرض المشاركات من يناير, 2024

حلم التحليق

 حلم التحليق ليس رفيف أجنحة، لكنها شطحات الإرادة نحو الأزرق اللا متناهي. كنت أسير في طريقٍ أعرفها جيدًا، احفظها، عن ظهر قلب. خارجًا من عند صديق لي ةعائدًا إلى البيت. الوقت بدا متأخرًا. كنت ادندن -كعادتي، إذا ما سرت ليلًا، منشرح الصدر، متغنيًا بأهازيج الطرب ومترنحًا من صبوة السهر. كان الجو صحوًا. وكانت الليلة الخريفية يتسرب إليها بدايات البرد، لكن، هل يمس جسد عاشق؟ انعطفت يسارًا، مارًا بِـ ومتجاوزًا شجرة الليمون. متنبهًا ألا تعلق شوكة بثيابي أو بوجهي. ممتعًا النفس في لحظة مروري تلك، باستعادة أوقات اللعب هناك. وتخيلت تلك الرائحة، بحثت في رأسي عن ذكرى تمثِّل تلك الرائحة، لم أجد ما يماثلها. رائحة الهواء الرطب والتربة التي تسبق المطر مباشرة، ممزوجة بشذى الليمون وعبير أزهاره، تلك الرائحة -كيف يمكن أن اسميها؟ - ماذّة؟! رائحة عبقة وماذّة. تلك التي نستشعرها من خلال غدد الفم وعلى طرف اللسان. تتضوع إذن من أوراقها الداكنة الخضرة ومن عصارة أغصانها المتينة. كنت أعرف في داخلي أنها، أي تلك الرائحة، هي رائحة الطبيعة البكر. هكذا تكون عند البداية. عذوبة (أو مذاذة) وشوك. كان هذا عندما انعطفت يسارا وده...

قاعة الشرق

 هنالك، مجلة، ملقاة على طاولة، فوق سطحها اللامع والمطعم بالصدف، مطوية على صفحةٍ، وإلى جوارها طقطوقة، على حافتها، تركت سيجارة، تحترق، ترسل خيطا واهنا من الدخان، وتلفظ أنفاسها الأخيرة. من الناحية الأخرى على اليسار فنجان قهوة نصف ممتلئ. لا بد أن من كان يجلس إلى الطاولة، قد اختار منتصف الكنبة تماما، تحت النافذة، المشرعة. بفعل الهواء المنساب، الذي يحركها، ويدع فسحة للضوء بالدخول. ارتسمت حزم ضوء، شبحية، مشوهة الشكل، تشبه قليلا متوازي أضلاع متخيل، أو مستطيل؛ ما يهمنا هو التناظر، الشكلي، لوضع الغرفة المنسقة بعناية، وامتداد خيط الضوء، المعكوس من الناحية الغربية، من نافذة علوية، للجار المقابل، متسللا من بين نسيج الستارة ومن الكوة الصغيرة التي ينفحها الهواء، إذ يرتمي على الطاولة، قاطعا ليس المجلة المنسية وحدها، -وإنما الطاولة ومنكسرا على السجادة الدمشقية، الوثيرة، وينتهي عند حافة الباب الخارجي للغرفة؛ التي وإن كانت في الأصل "مكتبة" فقد أعدت أيضا لاستقبال الضيوف إن وجد؛ -بطريقة مائلة تشبه شريط الحداد الذي يزين الإطار المعلق في الجدار الذي تستند عليه الشرفة.  اقتربنا، ولا أظن أنه سمع، صوت...

غريبين وليل.

لم لا تهيم بي المسامع مثله ما الفرق بين جناحه وجناحي! إيليا أبو ماضى. في عتمة الليل البهيم، وفى الفراغ الهلامي العظيم، انطلق مسرعا كأن الريح تحمله، والحقيقة، ليس لها حِمْلٌ على ذلك، فلو تسابقا لسبق، ولو تباريا لغلب، فأي قوة مقارنة بجبروته، خائرة، كريشةٍ في فلاة، ليس لأنه يفوقها قوة، ولا لأنه سيدها، ولكن لأن مقارنة بينهما ليست عادلة، فكل منهما يخضع لقوانين مختلفة. كانت النجوم المعلقة في السماء والتي تبدو ملتهبة كعيني مارد، منطفأة ومعتمة. كل شيء في دربه يسبح ويرتل ويمضي إلى مصيره في سلام. تلك القوة الرهيبة المدفوعة بقوة تفوق أي قوىً أرضية. مندفعة نحو غرض واحد ووحيد... فجأةً، اخترقت غلاف الصمت والأحزان.  مشهد رأسي. الأرض نقطة صغيرة، شبه معتمة، كلما اقتربنا منها تزيد معالمها -المنطمسة- غموضا. الرؤية غير واضحة، لأن مدينتنا نائية، مهمشة ومنسية. شوارعها القليلة تتقاطع طوليا وعرضيا وفق خطة عبثية. كأن يدا جبارة، اغترفت منازلها ثم نثرتها كمن ينثر للطير حَبًا. لكن الزائر يعرف طريقه ويسير وفق خطة معدودة مسبقًا، يقطف زهرة من هنا، وردة من هناك، وكما يقول القائل: "كل روح وردة أو رحيقها"  عن...

هذي روح..

صورة
 هذي روح.. لو أنها كبُرت! هذي روح.. وهذا الدم، دمي. لِمَ شَرِبتَه؟! وَيلٌ لِلنَّاسِ مِنكَ وَوَيلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ. فضحك! تولد قُطَيْطَةْ، تلعب هنيهة، ثم تموت. تلك هي الحياة، حياتي. الآن -ولأنني كبرت- يمكنني قول ذلك. متحررة من كل قيودها. أراها الآن كما لا يمكن لأحد أن يرا. وأتذكر.. كل شيء.. عرفت الحقيقة.. لا كما وصفها الكتاب والفلاسفة. ولكن لأولئك الذين تجرعوا الكأس مثلي.. كأس الحياة، فشربوها حتى الثمالة. لو أن لي متسع من الوقت كنت سأتهيأ للخروج، لن أختار ثيابي التي كنت سأعتادها، فليس عندي أفضل مما أرتديه الآن، سأدع حذائي العالي، حقائبي، كل أدوات زينتي، التي حلمت بها يوما.. لم تتحقق.  كنت أرغب في قص شعري وأن أغير لونه، وأقلم أظافري. وأختار لشعري لونا كستنائيّ ولأظافري لون التورد الباهت. هكذا تتضح الألوان. لا أسود، لا أبيض، لا رماديّ. كلها ألوان بلا طعم. للون طعم.. نعم، قبلة على خد أمي. مُسْكِرة. لم تتح لي الفرصة كي أقول لها. ولأخبر أبي أنني ينقصني كل العالم إذا غاب. لو أن لي الاختيار. لاخترت حضنه الدافئ. ورائحته العصية على الوصف والكتابة. ونمت هناك. نعم من تحدثكم الآن هي روح...